omar لوحة الشرف
عدد المساهمات : 211 عدد النجمات : 36 تاريخ التسجيل : 24/05/2009 العمر : 56
| موضوع: العمل الجمعوي الجاد ذ خالد ديمال 05.08.09 18:47 | |
| إن السؤال حول العمل الجمعوي يقتضي الوقوف على عوامل اقتحام هذا الحقل في المقاربة المتعلقة بالرأسمال البشري(في الرؤية الإجتماعية تحديدا)، ففي اختلاف الرؤى، وبالضبط فيما يتعلق بعنصر الإستقطاب، فإن التفسير الموضوعي لهذه الحركية، هو فكرة التجربة المندمجة بحافز الإنسياق لسلطة رمزية مداهمة للبناء العام في البنية الإجتماعية، في سياق الوعي بالديناميات الجديدة التي يعرفها المجتمع المغربي، والتي اقتضتها الرغبة في التجاوز المؤسس له معرفيا ومؤسسيا عبر إشراك منظمات المجتمع المدني، وكذا التربية على المساواة، في التموقع المشروط بالفاعلية عبر قنوات التنشئة الإجتماعية من مدرسة و أسرة و شارع و إعلام ...، وهو ما يعني تصفيف الأنساق الفكرية، و الأخرى القيمية، كتحديدات مرتبطة بجدلية التطور، وهي مرتكزات تنمو فيها الظاهرة الجمعوية في التحول المرتبط بعامل الزمن. إلا أن الفعل الجمعوي ليس عملية إدماج ثقافي فردي في المحيط الجماعي، لكن لأن مسار الثقافة هو نتاج الصراع الحاصل في البنية الإجتماعية، بتوجه مضاعف، وقدرة معرفية، بهدف السيطرة على القوانين الحياتية وفهم دلالاتها. ما علاقة الثقافة بالإطار الجمعوي؟.. إذا كانت المعرفة الإنسانية تتسم بالضيق، بالإضافة إلى محدودية الفكر الفردي، فإن البناء العام- كمكون حضاري -، هو ذاكرة تتكون أصلا خارج الذات الفردية مادام الصراع لا يتحقق في الجسم الإجتماعي إلا بوجود شرط المعرفة، في محيط له مشروعية التاريخ، وفلسفة حياتية مؤسسة على استقلال الوعي، وقدرة على معاينة الوجود. هنا يكون للجمعوي، كذاكرة جمعية، ووعي جمعي، قدرة التقويم ضمن حقل الصراع، أي توجيه التفاعلات بحركة ثقافية واعية بأهمية التجاوز والتغيير عبر الإنطلاق والتطور، وبمنهج أيضا، كنسق باحث عن النظام، مضاد لآخر باحث عن التحطيم، وبشرط تاريخي أيضا حامل لهاجس التجاوز. إلا أن جدلية الجمعوي هنا، تبرز في شكلها الوظيفي أصلا، وهو القدرة على التخاطب الرمزي بآلية معرفية، تنمي الفكر الفردي، عبر تحريك السواكن، وخلخلة البنى الموجودة، بمعنى التوجه صوب مضاعفة القدرات المعرفية بهدف التأثير في قوانين الحياة، وتوجيهها التوجيه السليم، للسيطرة عليها، بما يتماشى ومصلحة الفرد، وهو ما لا يتحقق إلا بأدوات إبداعية، وبحركة زمنية لا يوفرها إلا شرط الحرية. نحو مشروع دينامي وحضور فاعل.. المبادرة لا تخلق من فراغ، ولكن من تبعات ما يمليه الواقع في أساليب الإشتغال و التواصل. والنقد جزء مساهم في البناء والتقوية، لأن ربط القطاع الشبابي بتوحيد المواقف لا يحدث إلا باتخاذ المبادرات، وهي صيغة لقياس استراتيجية العمل، تساهم في توازن الحياة الجمعوية، وضخ دماء جديدة في شرايينها. تأسيس فعل جمعوي جاد وهادف يمر أولا عبر ترسيخ ثقافة التنوير، على اعتبار أن خلق ثقافة جمعوية مستجيبة لمعايير الحداثة والتقدم، ومندمجة بوضوح في التركيبة الإجتماعية عبر وسائط الجمعوي، هو المناط الكفيل بزحزحة الثابت. إذن، للجمعوي وظيفة بنائية داخل المجتمع، فهو فاعل أساسي في كل تنمية حقيقية صحيحة، باعتبار اتصاله بمجال أكثر حيوية هو المجال الثقافي، ومساهمته بموازاة ذلك في خلق آلية للحوار البناء و الإيجابي، بأسس معرفية(حضارية)، مما يعمل على فتح آفاق أمام الفرد كي ينمي فكره التطوري. من هنا تتضح جدية الجمعوي، بقدرته على إيقاف ارتباك التسميات، بمعنى إيقاف الإمتزاج المبهم بين ما هو جمعوي، وبين ما ليس كذلك. الحركة الجمعوية إطار مؤسسي محكوم بقوانين. الحركة الجمعوية إطار تعبيري، ومجال تثقيفي وتنموي، تتطور فيه المدارك الذهنية والمعرفية، خاصة و أن الإطار الجمعوي هيكل مؤسسي حركي، دافع في اتجاه حركة متسارعة، بمرتكزات متعددة، تبدأ بالفرد(المستقل/الواعي بذاته)، لتنتقل إلى الجماعة بروح متآلفة، وتضامن متماسك، بل و انتقال منظم من البنى التقليدية ذات الإرتباطات القبلية و السلالية، إلى ارتباطات مؤسسية محكومة بقوانين وحمولات رمزية، وثقافية، تفعل الحركة الإجتماعية، وقد تطال الإقتصاد، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمشاريع التنموية المحكومة بالمحيط المجالي المحلي، كمحاربة الفقر والبطالة وغيرها، عن طريق التكوين، ومقابله الإدماج في رحى الدورة الإقتصادية(المنتجة)، و بارتباطات أخرى، خاصة العمل الجمعوي ذي الحمولة الثقافية، باعتبار الثقافة محرك دينامي مرتبط بالحياة الإجتماعية الدافعة في اتجاه خلخلة البنى الإرتكازية القائمة على التقليد، و تعويضها بمحدد آخر على رأسه الديموقراطية، بما تعنيه من حق التداول على تدبير الشأن الجمعوي بما يتماشى ومفهوم الحكامة الجيدة أو الرشيدة، ثم الحداثة، بما تعنيه من الإنفتاح على الآخر وثقافته، وكذا استعمال التقنية، وثقافة الصورة، و استعمال القوانين بدل الإحتكام إلى الرأي الشخصي و المؤسسي عوض الشخصية الأداتية، تسييد روح الجماعة عوض الفردانية.. هذا ويعتبر المجتمع المدني مجالا خصبا للتميز، وحقل لممارسة الديموقراطية، ذلك أن الجمعوي الذي غالبا ما اعتبر هو المجتمع المدني، يبتعد عن الدولة، وعن الأحزاب، غير أن الجمعوي يحمل بعدا إضافيا، فهو يتكون مما هو محلي، أي من إيديولوجية تحميل السكان مسؤوليتهم. أن الجمعوي يبدو حاملا لقيم جديدة، لكنه مع ذلك لم يحظ بالتفكير اللازم من طرف الثقافة المهيمنة. واليوم تصبح الحركة الجمعوية ظاهرة مجتمعية، وحاملة في الوقت نفسه قيما جديدة من مثل: المشاركة، المسؤولية، الإلتزام، ومع ذلك توجد ثقافة سائدة، وبنيات متجذرة، وسلوكات أصبحت تكتسي أبعادا إستراتيجية، وتبدو أنها من اليوم لا زالت تحد من الظاهرة الجمعوية. يبدو أن الحركة الجمعوية، في الحالة الراهنة، تستطيع أن تمثل العنصر المحرك لمقاربة فعالة للنمو، وذلك من زاوية ازدهارها، وتوطيد دعائم المجتمع المدني، عن طريق خلق أسس موضوعية للإطار الجمعوي، يستجيب لبعض متطلبات التنمية(القدرة على التعبئة، الإقتراب من السكان، حركة الأطر، الأشكال الخاصة بالنضال الجمعوي، غياب البيروقراطية، التوجه نحو أشكال من التخصص..). المؤسسة الجمعوية مجال خصب لإعادة صوغ التكوين الإجتماعي. في كيفية مساهمة المؤسسات الجمعوية، في إنجاز تنمية المجال الإجتماعي(مجال المجتمع المدني) فتتمظهر في صعيدين: على صعيد تكويني، وعلى صعيد وظيفي. يمثل الإنتظام الإجتماعي في المؤسسات الإجتماعية أو الجمعوية شكلا من إعادة صوغ وتشكيل التكوين الإجتماعي، ينتقل الأفراد بموجبه، من أطر اجتماعية تقليدية ضيقة(العائلة، الحارة، القبيلة)، إلى أطر أخرى حديثة. و أهمية هذا الإنتقال كبيرة على صعيد ولاءاتهم في الرابطة التضامنية(الجمعوية)الجديدة التي ينشؤون، تتحول لديهم إلى بنية اجتماعية جديدة تخلق لديهم هوية جديدة، أو شعورا بأنا جمعي جديد يتحركون به من الأنا الجمعي العصبوي/التقليدي، ويترجم ذلك نفسه في الولاء لثقافة وقيم هذه الرابطة التضامنية الحديثة(وليس على النسب أو القبيلة)، وعلى النمو نفسه، يمثل ذلك الإنتظام الإجتماعي المؤسسي سببا لتوليد حركة اجتماعية جديدة، يخرج بها الناس من هامشيتهم المزمنة، ومن حال الشلل و الإستهلاكية، للصيرورة قوى اجتماعية فاعلة(منتجة) في الحقل الإجتماعي- للظواهر والقيم والحقائق الإجتماعية الجديدة-، وفي الحالين (التكويني والوظيفي) يتغذى المجال الإجتماعي بأسلوب النمو والفاعلية والتقدم، وتتوطد سلطته كمركز لا كهامش. ومن نتائج ذلك، نشر المعرفة، وتلقين الأفراد مبادئ المسؤولية في النهوض بواجبات يقوم عليها مبدأ المحاسبة العامة، وتمريسهم على إدارة الشؤون العامة. وبكلمة: إنجاز تمرين طويل النفس على القواعد التي بها تكون المواطنة والتي لا تقوم دولة حديثة – بالمعنى الحقيقي للكلمة دونها-، أي المواطنة..لكن، عن أي مجتمع مدني نتحدث؟.. إن تنمية دور الجمعيات لا يكون إلا ببلورة سياسة جمعوية على أساس خطوات شمولية وفعالة، من خلال القيام بأنشطة تكوينية خاصة، من أجل نشر ثقافة جمعوية تهدف إلى تثبيت روح المسؤولية، هذا في مقابل مراجعة الإطار القانوني المنظم لوجود ونشاط الفاعلين الجمعويين، إضافة إلى مرشدين و كتب ومتون و توجيهات ونصائح عملية، حتى يتم تحسين الإنجازات الخاصة بالتدخل الإقتصادي(التمويل المالي) للفاعلين الجمعويين. حول سؤال التنمية المحلية. إن شمولية التفكير في الشباب و أدوارهم، تفرض النظر إليهم من جهة كموضوع للسياسات العمومية، أي مجموعة مستهدفة بالعمل الحكومي. ومن جهة أخرى كفاعلين مساهمين حد الإمكان في إنتاج وتنفيذ هذه السياسات، أي العمل "مع" وليس فقط من أجل هذا الشباب. ذلك أن التفكير من أجل الشباب بدون شباب، نوع من العمل الذي سيكون حتما محل شك و ارتياب من قبل هذا الشباب نفسه، ولن يفضي إلا إلى إعادة إنتاج سمات الوضع الراهن. فإشراك الشباب في ديناميات التنمية يستلزم استثمارا جماعيا(معرفيا وثقافيا مسبقا)، لتطوير الكفاءة، المهنية، المبادرة، الإبداع، والتضامن، لتجاوز الإكراهات الذاتية والموضوعية المعيقة للتنمية، ومن تم يظل التعليم وسيلة أساسية لبث و تلقين هذه القيم. الهدف النهائي ليس مجرد إعداد الشباب للمنافسة في عالم المعرفة، بل أيضا يغذي الصفات الضرورية للتعاون في المجتمع الإنساني، وينشر ثقافة المشاركة. إن الإستثمار المعرفي لا يكون إلا بإنتاج معرفة علمية عن الشباب انطلاقا من مقولة معرفية منهجية، قد تكون مختلفة، لكنها متقاطعة ومتكاملة(علم الإجتماع، علم الإقتصاد، العلوم السياسية)..ذلك لكونها تنكب على دراسة الواقع الإجتماعي للفئة التي تدعى" فئة الشباب"، وذلك قصد تقديم إجابات معرفية قابلة للإستثمار علميا. فالسياق الدولي، الوطني، والمحلي، يسمح إلى حد بعيد بتثبيت دور منظمات المجتمع المدني، كبنى وسيطة، يمارس الشباب في إطارها الحرية المنظمة، باعتبار هذه المنظمات هياكل حافظة للقيم و النظم الأخلاقية الضرورية لإنجاح مسلسل التنمية، و ضامنا لمشاركتهم الفعلية في تدبير الشأن العام، وكذا المساهمة في مسارات التنمية قطاعيا و ترابيا، لذا ينبغي على الشباب أن يتبوأ فيها أدوارا طلائعية، ومن خلالها يساهم في بناء المشروع المجتمعي الديمقراطي ..
| |
|