هاهي العشرُ على الأبوابِ فلنهبُ بالإستعداد لها بما أوتينا من قوةٍ وعزمٍ وهمّة ،
ولا ننسى الدعاء بالتيسير من ربِ العباد ،
وإخلاصِ النيةِ ، والتوبةُ من كلِ الذنوبِ ،
جاءت بعد شهرُ رمضان الكريم لتجدد الروح
أيامُ الـ عشرِ المباركة هلتْ
فحيا الله نفحات الرحمة والرضوان
/
فـ لتكن لنا في تلك الأيام مع النفس وقفةً جادةً
ونعيدُ حساباتُنا في العبادات من الروتين إلى عبادةٍ فيها الحبِ والذل
ويا فرحةِ القلوبِ المشتاقةِ لبركةِ تلك العشرِ التي أقسمَ بها ربنا جل وعلا
في كتابهِ الكريم "وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ" [الفجر: 1-2]
بل ورد أنها هي العشر التي أتمها الله تعالى لموسى عليه السلام ،
والتي جاء ذكرها في قوله تعالى "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" [الأعراف: 142] ،
وقال ابن كثير: ( وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما هي؟ فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة والعشر عشر ذي الحجة... فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى عليه السلام ، وفيه أكمل الله الدين لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا ... ) المائدة (3)
فعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أفضل أيام الدنيا أيام العشر - يعني عشر ذي الحجة - قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب» [رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني].
قال أبن حجر في الفتح : " والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها وهي الصلاة والصدقة والصيام والحج ولا يتأتى ذلك في غيره " أ . هـ كلام أبن حجر .
يقول أبو عثمان النهدي: كانوا - أي السلف - يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم.
مما يدل على سعة معنى العمل الصالح ، قال أبو شامة: "ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضّلاً فيه جميع أعمال البر؛ كعشر ذي الحجة... فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر".
ومن بركات عشرُ ذي الحجة التي لا تعدُ ولا تُحصى
* أقسم الله بها في كتابه الكريم قال تعالى : وَالْفَجْرِ{1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ{2} الفجر
وبلا شك أن قسم الله تعالى بها يبين شرفها وفضلها , وجمهور المفسرين أجمعوا على أنها عشر ذي الحجة
* أن الله سبحانه وتعالى سماها في كتابه الكريم (الأيام المعلومات) " َويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ... " الحج (28) وقد ذكر بعض المفسرين أن الأيام المعلومات هي العشر الأولى من ذي الحجة .
* الأعمال الصالحة فيها أحب إلى الله تعالى فيها من غيرها وقد أستحب العلماء كثرة الذكر عن أبن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشرة فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد ) رواه أحمد .
التكبير والتحميد والتهليل والذكر قال تعالى : َويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ... الحج(28)
والتكبير نوعان .
أ- المطلق وهو المشروع في كل وقت من ليل أو نهار , ويبدأ من أول شهر ذي الحجة ويستمر إلى آخر أيام التشريق .
ب- المقيد وهو الذي يكون عقب الصلوات والمختار أنه عقب كل صلاة أياً كانت ويبدأ من صبح عرفة إلى صلاة عصر أخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، وذكر البخاري رحمه الله عن أبن عمر وعن أبي هريرة رضي الله عنهم أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر فيكبرون فيكبروا الناس بتكبيرهم
* يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة والذي تبدأ فيه أعمال الحج من أيام العشرِ المباركة
* يوم عرفة يوم من أيام العشرِ والذي له فضائل عظيمة
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عز وجل فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة ...الحديث رواه مسلم .
* أن فيه ليلة جمع وهي ليلة مزدلفة التي يبيت فيها الحاج ليلة العاشر من ذي الحجة بعد دفعهم من عرفة .
* أن فيه فريضة الحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام .
* أن فيه يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة الذي يعد أعظم أيام الدنيا كما روي عن عبد الله أبن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ، ثم القر" رواه أبو داود .
* أنها أفضل من الأيام العشر الأخيرة من رمضان لما أورده شيخ الإسلام أبن تيميه رحمه الله فقد سئل عن ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل ؟؟
فأجاب " أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان , والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة " أ. هـ كلامه رحمه الله .
ومن الأعمال التي يستحب فعلها في العشر المباركة
* ضرورة التوبة إلى الله تعالى والرجوع إليه ، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي ، والإقبال على فعل الطاعات
* أداء الصلوات الخمس في أوقاتها فهي من أجل الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً , وعلى المؤمن أن يحافظ عليها جماعة مع المسلمين , وأن يكثر من النوافل في هذه العشر فإنها من أفضل القربات وقيام الليل والتهجد ، قال ابن رجب الحنبلي ( لطائف المعارف، 524 ): وأما قيام ليالي العشر فمستحب، وورد إجابة الدعاء فيها ،واستحبه الشافعي وغيره من العلماء. وكان سعيد بن جبير، وهو الذي روى الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، إذا دخل العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه، وروي عنه أنه قال: " لا تطفئوا سرُجُكم ليالي العشر "، تعجبه العبادة.
* الصيام سواء صيام تسع ذي الحجة جميعها أو بعضها وبالأخص يوم عرفة وممن كان يصوم العشر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، روى مسلم عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صيام يوم عرفة , أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده " وعن حفصة قالت : أربع لم يكن يدعهن النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عاشوراء , والعشر , وثلاث من كل شهر وركعتين قبل الغداة " رواه أحمد والنسائي .
* الصدقات وبرِ الوالدين وصلة الأرحام وإماطة الأذى عن الطريق
* الذكر وقراءة القرآن ولتكن لنا ختمة في هذه الأيام المباركة
صح فيها حديث ابن عباس عن نبينا صلى الله عليه وسلم (( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء )) .
هناك صيغتين صحيحتين للتكبير، هما:
ـ الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
ـ الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
* العمرة والحج هما أفضل ما يعمل في عشر ذي الحجة
وختاماً لابد أن نستلهمَ العبر من الرسول الكريم صلوات ربي عليه ومن الصحابةِ والتابعين ، وكيف تزودوا من تلك المحطاتِ الإيمانية بعظيمَ الإستفادة ، ومن تلك الأيام المباركة بالأعمال التي تثقل الميزان وتعلي الدرجات ، ولم تمر كسائر الأيام باللهو وتضييع الأوقات
فاليوم عملٌ بلا حساب وغداً حسابٌ بلا عمل ...
وسنُجازى على كل الأعمال صغيرها وكبيرها يوم لا ينفع مال ولا بنون
وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد ...