دلالات النصر
إن غزوة بدر الكبرى من تدبير إلهي ترتيبا لأسبابها وإدارة لمراحلها، وقد نصر الله تعالى المسلمين وفي ذلك دروس وعبر أهمها أن نصر جند الحق وعد الله الذي لا يخلف الميعاد، وهذا حكم عام متى استوفى المسلمون شروط النصر التي سنختم بها هذا العرض: ﴿ وكان حقا علينا نصر المؤمنين﴾ . غير أن نصر المسلمين يوم بدر كان مطلوبا لاعتبارين أساسيين:
أولهما أن هذه أول مواجهة عسكرية يخوضها المسلمون بعد الإذن بالقتال، والقتال أمر تكرهه النفس، فكان لزاما أن ينتصر المسلمون ليعرفوا قيمة القتال في سبيل الله، إذ هو طريق عزة الأمة وكرامتها، وضحالة المسلمين اليوم وهوانهم على البشرية وهم خمس سكان العالم عددا مرده إلى تعطيل مبدإ الجهاد، وصدق الصديق أبو بكر رضي الله عنه لما قال: "وما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل" .
ثاني الاعتبارين هو أن اندحار المشركين مطلوب هو الآخر لتكسر شوكة الشرك وتنفتح آفاق واسعة أمام الدعوة ويقبل الناس على دين الله أفواجا.
شروط النصر
يقول الحق سبحانه: ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم﴾ ، ويقول عز سلطانه: ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا﴾ .
شروط النصر تتلخص في تحقيق المسلمين فرادى وجماعة العبودية الحقة لله تعالى ليكونوا ﴿ أولئك هم المؤمنون حقا﴾ ، وهذا يتطلب:
1. إخلاص النية لله تعالى وابتغاء مرضاته: ﴿ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورياء الناس﴾ .
2. التقوى والاستقامة ودوام الذكر تطهيرا للقلوب.
3. ترصيص الصف وتصافي القلوب ومحاربة الشحناء: ﴿ وأصلحوا ذات بينكم﴾ ﴿ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ .
4. الدعاء والتضرع: ﴿ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم..﴾ .
5. الاستجابة والطاعة: ﴿ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم﴾ .
6. التوكل على الله تعالى والتجرد من كل حول وقوة: ﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون﴾ .
7. إعداد العدة والأخذ بالأسباب الممكنة: ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم﴾ .
8. الشورى وإشراك الجميع في صناعة القرار: ﴿ فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر﴾ . وعمليا كانت الشورى حاضرة عند اتخاذ القرار بالمواجهة بعد انفلات القافلة في ذلك المشهد الرائع الذي سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كانت حاضرة عند اختيار مكان عسكرة المسلمين عملا برأي الحباب رضي الله تعالى عنه.
9. دوام التعبئة والتحريض رفعا للمعنويات: ﴿ يا أيها النبيء حرض المؤمنين على القتال.. ﴾ .
10. الثبات وعدم التولي عند الزحف: ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار..﴾
خلاصة
إن غزوة بدر الكبرى ليست حدثا تاريخيا ولى زمانه، وإنما هي معلمة ومنار ينير للمسلمين في كل زمان معالم طريق العزة والحياة الطيبة الكريمة متى استوفوا شروط التمكين والنصر التي بها تأهل أهل بدر لتأييد الله تعالى.
غزوة بدر الكبرى تبعث في النفوس الصادقة المتحرقة على ما نزل بالمسلمين اليوم من ذل وهوان أمل النصر والتمكين لأمة رسول الله إذا هيأ الله تعالى لها قيادة ربانية مجاهدة، ﴿ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله﴾ .
غزوة بدر معنى متجدد في الأمة متى قامت لتحق الحق وتبطل الباطل، ولسان حالها يقول: "على أيدينا نسأل الله عز وجل أن ينزل قدره".
والحمد لله رب العالمين.