ان قضية الصمت تمس بشكل من الأشكال ما يمكن أن نسميه في الحديث المنتشر العام( شخصية قوية وشخصية ضعيفة) علي اعتبار ان علامة من علامات الشخصية القوية تتمثل في ابداء وجهة النظر, والمناقشة والمنافحة وتبادل الحجة بالحجة وعلامة تميز الشخصية الضعيفة أنها تلوذ بالصمت وتتقوقع في محارته الغليظة التي تحجب عنها الرؤية وتبعد عنها ـ كما تتصور وهما ـ عوامل الأذي والشر!! وعندما نصف شخصا بقوة الشخصية فإننا نعني بهذا الوصف عملية بناء الحياة الشخصية لكل فرد بحيث يكون في استطاعة الشخص ان يتحمل مسئولية وجوده, ومن هنا فإن الصمت المبني علي الاقتناع والقناعة والعمل الجاد يكسب الشخصية الانسانية قدرا من القوة يتجلي من خلال شعوره بالأمن والاطمئنان.
والشخصية الضعيفة هي الشخصية التي تكون عاجزة عن الاشعاع فيما حولها وتحت وطأة هذا العجز نراها مضطرة إلي مسايرة الآخرين أو محاكاة الغير أو القيام بسلوك مظهري اجوف يدعي من خلاله الموافقة أو الرضا.
والصمت بهذه الشاكلة يعبر عن الضعف في صورته الصارخة ينتج عن الانقياد والانصياع للسهولة والرغبة في الاستسلام. ويصبح الصمت حماية لهؤلاء الذين ارتضوا علي انفسهم ان يتشبثوا بالضعف من خلال هذا الصمت الرهيب والكئيب والذي جعلهم يحكمون علي انفسهم بالخنوع واصبحوا لا يريدون لحياتهم إلا الفشل ولكي يشعروا بنوع من الرضا الزائف نراهم يختلقون المحاذير ويؤلفون الحجج ويتمحكون في بعض الحيل الدفاعية, أو ان الظروف هي الأقوي وهي التي تحد من قدراتهم وتمنعهم, أو أنهم قد كتب عليهم ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا النوع من الصمت المرضي والسكوت الشاذ يجعل أصحابه يخسرون حتي قبل أن يدخلوا مضمار السباق, ذلك أنهم قد وضعوا أنفسهم في اطار الضعف ذلك الذي أخذ يضغط عليهم ويحرمهم من الأمل في الكفاح والجد والعمل والمثابرة, لأن سكوتهم ضعف وصمتهم خنوع طالما ان الارادة لديهم لا تعمل والفكر لديهم قد توقف واذا كنا نري القوة في ذلك الشخص الذي لا يرضي الهوان ولا يعترف بالصمت الذي يجعله متقاعسا وان الرضا الحقيقي هو ذلك الذي يبني علي القوة, تلك القوة التي تجعله يعرف حدوده
ويكاشف نفسه باستمرار بقدراته الحقيقية دون خداع للنفس أو دون ان يدعي ما ليس عنده ان الشخصية التي تعرف متي تتكلم ومتي تصمت اعتمادا علي تقييمها للموقف وتقديرها الموضوعي الواعي للظروف هي الشخصية القوية بمفهومها العميق, فالقوة لا تعني اطلاقا السيطرة أو التسلط ولكنها تعني القدرة علي التحكم في الذات, وامكانية مواجهة المواقف بشجاعة والمخاطرة بالنفس في سبيل تحقيق القيم, ولعل البعد الديني الذي يتجلي في قدرة الانسان علي السمو خير دليل علي تلك الامكانية العقلية التي زود بها الانسان واستطاع ان يوظفها توظيفا من شأنه أن يجعله يصل إلي الحد الذي يستعذب العذاب في سبيل الدين والقيم
بل كلما ازداد العذاب وقست المواجهة ازداد عطاء الانسان في سبيل دينه وقيمه..